وكذلك عند قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[القصص: ٨٥] يقول فيه (معاد دنيوي وآخروي، أما الدنيوي فإنك ترد إلى مكة إذا اشتقت إليها، لأنها مولدك ومولد آبائك، وأما الأخروي، فإنك ترد إلى المقام المحمود الذي وعدت أنت به).
ثم بعد أن ينتهي من التفسير اللفظي في كثير من الأحيان، يذكر لطائف كما يسميها، وهذا نجده كثيرًا في تفسيره، فمثلًا في سورة (التوبة)، فسر هذه الآيات ابتداءًا من قوله تعالى:{إِلَّا تَنْفِرُوا}[التوبة: ٣٩] إلى قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ}[التوبة: ١٠٩] ثم ذكر لطائف، أولاها في قوله تعالى:{إِلَّا تَنْفِرُوا}، قال:(حكم الله في هذه الآية على الأمم الإسلامية، أن تصبح في عداد الأموات، إذا هي نامت وادعةً ساكنة، ولم تسع سعي الأحياء، وأن تكون في خبر كان، وأن يستبدل بها أممًا أخرى تحل في أماكنها، تهديد شديد ووعيد عظيم، أنزله الله بمن يتركون الجهاد في خفض العيش ودعته). ثم استطرد إلى ذكر أرسطو طاليس، وما بعث به من كتب للإسكندر في هذا الموضوع.
ويقول في اللطيفة الثالثة في قوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}[التوبة: ٤١]. (واعلم أن التحقيق في هذا المقام، أن الأمم كلها يجب عليها العمل العام، فأصحاب القوة للدفاع، وأصحاب الصناعات لإحضار العدة، وكل امرئ في الآية مكلف بعمل، لأنه لا دفاع بلا رجال أقوياء، ولا دفاع للأقوياء بلا سلاح، ولا وقوف لهم في وجه العدو إلا بالغذاء واللباس والطرق المنتظمة، ولا طرق ولا غذاء ولا لباس إلا بأعمال هامة، ومدارس منظمة، وحكومة قادرة، وأمة مستيقظة وإرادة تامة). وهذا كلام مَنْ فهم روح القرآن وأدرك مغزاه.