كما أنه نبه علماء الإسلام على ضرورة مخاطبة قومهم، بما يناسب واقعهم وبما يعيشون من حوادث (فهذا موسى عليه السلام يأمره ربه {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}[إبراهيم: ٥] وإن على علماء الإسلام أن يحذوا حذو موسى عليه السلام، إذ اصطفى ما يناسب من قومه، وانظر في هذا قوله تعالى في نفس الموضع من سورة إبراهيم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤] فالمدار على البيان الذي يعقله القوم، فالقرآن نزل لننسج على منواله، ونذكر الناس بما يناسب عقولهم، هذه هي عجائب القرآن التي يعجز عنها الفصحاء والحكماء، كلام مملوء حكمًا وغرائب)(١).
وإنها للفتة رائعة من الشيخ إلى علمائنا النظريين، الذين لا يلتفتون إلى واقع الحياة فيعالجونه، بل يكتفون بسرد مواعظهم وأقاصيصهم، تاركين الأدواء تفتك بالمجتمعات، ولا حل لها إلا على أيدي الفاجرين ألا رحمك الله يا شيخ طنطاوي، لقد كنت روحًا جادة وفكرًا ثاقبًا وهمة عملاقة! !
وما أجمل ما يذكره من التفريق بين تذكير المسلمين فعلًا وبالوقائع، وبين أمرهم بالتذكر والعودة إلى الله، وهو يرى أن الفرق بينهما، كالذي يقرأ آيات الصلاة ويكررها فلا يكون مصليًا بها، والذي يمارس فعل الصلاة ويقيمها فيكون مصليًا، كذلك التذكير والأمر به، ومن هنا فإن الشيخ في كتابه وجواهره، يمارس فعلًا عملية التذكير، من خلال الوقائع التي عاشها المسلمون طوال تاريخهم، وما حل بهم من رفعة وهبوط، وما وصل إليهم من علم، وما وصل إليه العصر الحديث، فكل هذا تذكير للمسلمين بأيام الله.
ويضرب الأستاذ مثلًا لاستفادة المسلمين من الآيات، وتطبيقها على الوقائع، بفعل أبي بكر -رضي الله عنه-، حين اجتماعه بالأنصار في سقيفة بني ساعدة قبل توليه الخلافة، حيث قال: