للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليل عندما كسر الأصنام نظر نظرة في النجوم، وارتقى إلى الأفلاك وفوق السبع الطباق، وعندها قال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: ٧٩]، وإن دعوة أبينا إبراهيم لنا أن يجنبنا الله عبادة الأصنام، إنما هي دعوة للعرب أن يجنبهم الله تقييد الفكر وانعدام النظر في الطبيعة، كما نظر هو، وكما فكر يوم قال: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠]، فنفكر في الخروج من هذا المأزق، ونفك القيود التي قيدنا بها.

وتعجبنا واقعية الشيخ، وحديثه الصريح عن الذي يضطرب في أحشاء هذا العالم الإسلامي، من حركات ومذاهب ومخاضات فكرية وصراع وتخلف، وهو يتحدث عن طائفة الشيعة الإسماعيلية في الهند، كيف استعبدهم آغا خان، وحرفهم عن عقيدتهم، وكل ذلك في معرض تفسيره لقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: ٢٨]، ثم يطلق الشيخ حكمًا لطيفًا حيث يقول: (إن الأئمة وكتب السلف والخلف، بمثابة لبن الأم، فإذا ترعرع الطفل، وبلغ سن الفطام، حتم عليه أن يأكل من نبات الأرض وحيوانها، وهكذا لا يجوز لشيوخ الطرق، ولا لعلماء الدين أن يفهموا الطالب أنه دائمًا محتاج إليهم، بل لا بد أن يطلقوا لهم الحرية فيرتقوا) (١).

ومن هذا المنطلق، أعني إهابة الشيخ بالمسلمين وتفطر فؤاده لواقعهم، يعرض الشيخ لنقد الوهابية -كما يسميهم- فيقول: (نعم قام فينا الوهابية الذين يملكون الحجاز ونجدًا الآن، وهي وإن أزالت الخرافات، فقد وجب عليها أن تنظر في مثل ما نظرناه، ألا وهي مناظر الدنيا وعجائبها، إن الوهابية برعوا في القسم السلبي من الإسلام، ولكنهم لم يراعوا القسم الإيجابي منه، أي إنهم حصروا همهم فيما ذكره العلامة ابن تيمية، وفاتهم أن العلم أوسع وأوسع) (٢).


(١) الجواهر جـ ٧ ص ٢٤٠ - ٢٤١.
(٢) الجواهر جـ ٧ ص ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>