بَيْنَهُ} أي يضم بعضه إلى بعض، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} متراكبًا بعضه فوق بعض {فَتَرَى الْوَدْقَ} المطر {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} من فتوقه، جمع خلل كجبال {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الغمام، وكل ما علاك فهو سماء {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا}، من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها وألوانها، {مِنْ بَرَدٍ}(من) للتبعيض، واللتان قبلهما للابتداء، أن أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها، وذلك أن الأبخرة إذا تصاعدت وبلغت الطبقة الباردة من الهواء، فقوي البرد هناك، اجتمعت وصارت سحابًا، فإن لم يشتد البرد تقاطر مطرًا، وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها، نزل ثلجًا وإلا نزل بردًا، وقد يبرد الهواء بما فيه من البخار بردًا مفرطًا، فينقبض وينعقد بخاره سحابًا، وينزل منه المطر والثلج، وهذا المقام قد أوضحته في سورة الرعد، وسيتضح قريبًا {فَيُصِيبُ بِهِ} بالبرد {مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} ضوء برقه {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة، وذلك من العجائب أن السحاب الذي ضرب به المثل في تقوية الظلمة، يكون منه نور يكاد يذهب بالأبصار، فبهذا قد اشتق النور من الظلام، والهداية من الضلال، فالسحاب الذي ذكر مثلًا لظلمة أعمال الكافرين، أضاء الجو بنوره وأشرق في سائر الأقطار، وكاد يخطف الأبصار، ولذلك أعقبه بما هو من قبيله فقال:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} بالمعاقبة بينهما، وبأن ينقص من أحدهما ما زاد في الآخر، ويتغير أحوالهما نورًا وظلمة وحرًا وبردًا وغير ذلك، كما كان السحاب ظلمة واشتق منه نور البرق الذي يبهر الأبصار {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} لدلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وحكمته) (١).
٣ - وكذلك يقول في تفسيره لقوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون}[النمل: ٨٨].