للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} قائمة واقفة، {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض فتسوى بها، وذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد، لا يكاد يتبين حركتها {صُنْعَ اللَّهِ} مصدر مؤكد لنفسه، وهو مضمون الجملة المتقدمة {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أي أحكم خلقه وسواه {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} عليم ببواطن الأفعال وظواهرها وهو المجازي عليها) (١).

هذا هو تفسيره لهذه الآية، وهو كما نرى ليس فيه خروج عن المألوف، ولا مخالفة لما هو معروف.

ولكننا حينما نعرض للطائفة التي يذكرها عقب التفسير اللفظي، والتي يبث فيها أفكاره وخواطره حينًا، وآلامه وآماله حينًا، وخيالاته ورمزيته حينًا آخر نجده يقول ضمن لطيفة خصصها لتلك الآية: (لأبين لك هذه اللطيفة العجيبة من عجائب القرآن، وهي أن هذه الآية بديعة الوضع محكمة الصنع، فإن التفسير المتقدم يناسب المتقدمين من الأمة الإسلامية، وإذا فسرت بأن الأرض دائرة حول الشمس، والجبال بالطبع سائرة معها، نراها الآن جامدة، وهي في الحقيقة جارية جريًا سريعًا جدًّا، فإن ذلك يناسب قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} فهذا هو الإتقان، وإلا فالقيامة تخريب للعالم، والإتقان يناسب هذا التفسير) (٢).

(ثم يذكر ضمن حكاية طويلة بأن الآية تحتمل هذين المعنيين، فإذا نظرنا إلى ما تقدمها من النفخ والفزع، ناسب إيراد المعنى الأول، وإذا نظرنا إلى نهايتها، ناسب المعنى الثاني، ثم يقول: (وإني لأعجب من هذا الوضع المتقن في الآيات، وكيف ناسب صدرها صدر هذه الأمة، وعجزها متأخريها أي


(١) الجواهر جـ ١٣ ص ٢٣٣.
(٢) الجواهر جـ ١٣ ص ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>