نفسه وامتداده ويجعل بناء العقيدة وتمكينها ... ضرورة من ضروريات النشأة الصحيحة ... ومتى استقرت عقيدة لا إله إلا الله في أعماقها الغائرة البعيدة استقر معها في نفس الوقت النظام الذي تتمثل فيه لا إله إلا الله ... حتى قبل أن تعرض عليها تفصيلاته .. ) (١).
وهذه العقيدة ليست نظرية مجردة كنظريات الفلاسفة وإنما ينبغي أن تتفاعل مع واقع الحياة وحركتها، وأن يتفاعل معها المجتمع المسلم، ولهذا فهو ينعى على الذين يريدون أن يصوغوا الإسلام في قوالب من النظم والمواد؛ لأن هذا في رأيه لن يؤدي إلى نتائج مرضية بل فيه كبير خطأ وخطر، فلا بد قبل ذلك كله من إيجاد القاعدة لهذه العقيدة، وهذه القاعدة لن تكون سوى المجتمع المتأثر والمتكيف بما يلزمه به هذا الدين، وحين يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ عرض أسس النظام الإسلامي، كما يأخذ هذا المجتمع نفسه في سن التشريعات التي تقتضيها حياته الواقعية وما يسهل له ذلك يسر العرض الذي عرضت به العقيدة، إذ إنها لم تعرض في صورة نظرية أو لاهوت أو جدل كلامي، وإنما خوطبت بها فطرة الإنسان مباشرة لاستنقاذها من الركام وتخليص أجهزة الاستقبال الفطرية مما ران وعطل وظائفها، ولقد كان القرآن وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة يحوز بهذه الجماعة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها كما يخوض معركة ضخمة مع رواسب الجاهلية في ضميرها وأخلاقها وواقعها ... ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة لا في صورة نظرية لاهوت ولا في صورة جدل كلامي، ولكن في صورة تكوين تنظيمي مباشر للحياة، ومما ساعد على تثبيت العقيدة في النفوس وترشيخها في قلوب المؤمنين أنهم لم يتلقوها دفعة واحدة، ولم يتم بناؤها في نفوسهم طفرة، وإنما كانت في التؤدة مما جعل نموها طبيعيًا يتمشى مع النمو الحركي والواقعي للمسلمين، يقول الأستاذ سيد: (وكل نمو نظري ليس النمو الحركي الواقعي ولا يتمثل من خلاله هو خطأ وخطر، كذلك بالقياس إلى طبيعة هذا الدين وغايته