للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النص القرآني ما لا يحتمل، والابتعاد بالتفسير عن التعصب المذهبي، كل أولئك وغيرها مما يشترك فيه سيد مع هذه المدرسة، ولعله قد أفادها منها كذلك، ولكن ليس معنى هذا أن الرجل يؤمّن على كل ما قاله هؤلاء، كما أنه ليس معنى ذلك أن الرجل كان يقف لهؤلاء بالمرصاد، يترصد عباراتهم لينقضهما، ولكنه كان يقتبس حينًا مستحسِنًا ويردّ حينًا آخر؛ وذلك لأنه كان ذا منهج خاص به منبثق من فقهه لعقيدته (١) وهنا لا بد أن نعرض لنماذج من الظلال لنستشف من خلالها صلته بهذه المدرسة.

إن من يقرأ في الظلال لا يجد صعوبة عليه أن يقع على بعض النقولات التي ينقلها سيد عن المنار مستحسنًا بعضها ومناقشًا بعضها الآخر.

فها هو عند تفسيره لسورة البلد يقول: (وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في هذا الموضع من التفسير للسورة في جزء عم) لفتة لطيفة تتسق في روحها مع روح هذه (الظلال) فنستعيرها منه هنا ... قال رحمه الله (ثم أقسم بوالد وما ولد ليلفت نظرنا إلى رفعة هذا الطور من أطوار الوجود، وهو طور التوالد، وإلى ما فيه من بالغ الحكمة وإتقان الصنع، وإلى ما يعانيه الوالد والمولود في إبداء النشء وتكميل الناشئ وإبلاغه حده من النمو المقدر له، فإذا تصورت في النبات ما تعاني البذرة في أطوار النمو، من مقاومة عوامل الجو ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان وتستعد، إلى أن تلد بذورًا أخرى تعمل معها وتزين الوجود بجمال نظرها -إذا أحضرت ذلك في ذهنك وارتقيت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيها ما هو أعظم ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع واستبقاء جمال الكون بصورها مما هو أشد وأجسم) (٢).


(١) يتحدث سيد رحمه الله عن التزام هذا المنهج في البحث في مقدمة سورة الأنعام وهو يلوم كثيرًا الذين يلزمون أنفسهم بمناهج في التفسير غريبة عن طبيعة هذا الدين.
(٢) (٦/ ٣٩٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>