الواضحة في رد الكثير من الخوارق إلى مألوف سنة الله، دون الخارق منها، وإلى تأويل بعضها، بحيث يلائم ما يسمونه (المعقول) وإلى الحذر والاحتراس الشديد في تقبل الغيبيات.
ومع إدراكنا وتقديرنا للعوامل البيئية الدافعة لمثل هذه الاتجاه، فإننا نلاحظ عنصر المبالغة فيه، وإغفال الجانب الآخر للتصور القرآني الكامل، وهو طلاقة مشيئة الله وقدرته من وراء السنن التي اختارها، سواء المألوف منها للبشر أو غير المألوف- هذه الطلاقة التي لا تجعل العقل البشري هو الحاكم الأخير ولا تجعل هذا العقل هو مرد كل أمر غيبٍ يتحتم تأويل ما لا يوافقه كما يتكرر هذا القول في تفسير أعلام هذه المدرسة ...
إن هناك قاعدة مأمونة في مواجهة النصوص القرآنية لعل هنا مكان تقريرها ... إنه لا يجوز لنا أن نواجه النصوص القرآنية بمقررات عقلية سابقة ولا مقررات عامة، ولا مقررات في الموضوع الذي تعالجه النصوص، بل ينبغي أن نواجه هذه النصوص لنتلقى منها مقرراتنا الإيمانية ومنها نكون قواعد منطقنا وتصوراتنا جميعًا، فإذا قررت لنا أمرًا فهو المقرر كما قررته ... ومن ثم لا يصلح أن يقال إن مدلول هذا النص يصطدم مع العقل فلا بد من تأويله- كما يرد كثيرًا في مقررات أصحاب هذه المدرسة، وليس معنى هذا هو الاستسلام للخرافة، ولكن معناه أن العقل ليس هو الحكم في مقررات القرآن، ومتى كانت المدلولات التعبيرية مستقيمة واضحة فهي التي تقرر كيف تتلقاها عقولنا، وكيف تصوغ منها قواعد تصورها ومنطقها تجاه مدلولاتها وتجاه الحقائق الكونية الأخرى .. ).
ولعل من المفيد هنا أن أختم هذا البحث بما أورده سيد في كتابه (خصائص التصور الإسلامي):
(لما أراد الشيخ محمد عبده أن يواجه الجمود العقلي في الشرق والفتنة بالعقل في الغرب جعل العقل البشري ندًّا للوحي في هداية الإنسان، ولم يقف به عند أن