سنة الله ليست فقط هي ما عهده البشر، وما تعرف البشرية من سنة الله إلا طرفًا يسيرًا يكشفه لهم بمقدار ما يطيقون ... فهذه الخوارق كما يسمونها- هي من سنة الله ولكنها خوارق بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه.
ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤولين -متى صحت الرواية- أو كان في النصوص وفي ملابسات الحادث ما يوحي بأنها جرت خارقةً ولم تجر على مألوف الناس ومعهودهم. وفي الوقت ذاته لا نرى أن جريان الأمر على السنة المألوفة أقل وقعًا ولا دلالة من جريانه على السنة الخارقة للمألوف. فالسنة المألوفة هي في حقيقتها خارقة بالقياس إلى قدرة البشر ... فأما في هذا الحادث بالذات فنحن أميل إلى اعتبار أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة ... نحن أميل إلى هذا الاعتبار؛ لا لأنه أعظم دلالة، ولا أكبر حقيقة، ولكن لأن جو السورة وملابسات الحادث تجعل هذا الاعتبار هو الأقرب ... فما يتناسق مع جو هذه الملابسات كلها أن يجيء الحادث غير مألوف ولا معهود بكل مقوماته وبكل أجزائه، ولا داعي للمحاولة في تغليب صورة المألوف من الأمر في حادث هو في ذاته وبملابساته مفرد فذ ... إننا ندرك ونقدر دوافع المدرسة العقلية ... فلقد كانت هذه المدرسة تواجه النزعة الخرافية الشائعة التي تسيطر على العقلية العامة في تلك الفترة كما تواجه سيل الأساطير والإسرائيليات التي حشيت بها كتب التفسير والرواية، في الوقت الذي وصلت فيه الفتنة بالعلم الحديث إلى ذروتها، وموجة الشك في الدين إلى قمتها، فكانت هذه المدرسة تحاول أن ترد إلى الدين اعتباره على أساس أن كل ما جاء به موافق للعقل، ومن ثم تجتهد في تنقيته من الخرافات والأساطير، كما تحاول أن تنشئ عقلية دينية تفقه السنن الكونية وتدرك ثباتها وأطوارها ... ولكن مواجهة ضغط الخرافة من جهة، وضغط الفتنة بالعلم من جهة أخرى، تركت آثارها في تلك المدرسة ... من المبالغة في الاحتياط والميل إلى جعل مألوف السنن الكونية هو القاعدة الكلية لسنة الله، فشاع في تفسير الأستاذ الشيخ محمد عبده كما شاع في تفسير تلميذيه الأستاذ رشيد رضا والأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي -رحمهم الله جميعًا- شاع في هذا التفسير الرغبة