أما بيان ألفاظ القرآن فإنما هو الرجوع إلى العربية شعرًا ونثرًا، ولما كان القوم الذين نزل القرآن فيهم على مستوى رفيع، فعل القرآن فيهم، فعله العظيم.
من هنا ندرك أن للقرآن الكريم خاصيتين اثتتين كونه سماويًا أولًا، وكونه عربيًا مبينًا ثانيًا، وإذا لم يكن القوم الذين نزل فيهم بحاجة إلى تفسيره من الحيثية الثانية فهم بحاجة إلى تفسيره من حيث الخاصية الأولى، نعني كونه كتابًا سماويًا.
يبين هذا ما نجده في سؤال كثير من الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم تفسير آيات من كتاب الله، وسؤال الصحابة بعضهم بعضًا.
لذا كانت الحاجة ماسة إلى تفسير القرآن منذ نزوله، إلا أن من الواجب أن نقرر هنا أن هذه الحاجة لم تكن في جميع العصور سواء، بل كانت تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة، فحاجة التابعين للتفسير كانت أشد من حاجة الصحابة، وكذلك الناس فيما بعد كانوا أشد حاجة ممن قبلهم. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فلقد كانت هذه الحاجة أوسع دائرة في الأزمنة المتأخرة يدلنا على ذلك الاستقراء للكتب التي وضعت في تفسير القرآن الكريم.
قال أبو حيان:"وكانت تآليف المتقدمين أكثرها إنما هي شرح لغة ونقل سبب ونسخ وقصص لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب، وبلسان العرب، فلما فسد اللسان وكثرت العجم ودخل في دين الله أنواع الأمم المختلفة الألسنة والناقصو الإدراك، احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله تعالى من غرائب التركيب وانتزاع المعاني وإبراز النكت البيانية حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه، ويكتسبها من لم تكن نشأته عليها، ولا عنصره يحركه إليها، بخلاف الصحابة والتابعين من العرب؛ فإن ذلك كان مركوزًا في طباعهم، يدركون تلك المعاني كلها من غير موقِفٍ ولا معلم؛ لأن ذلك هو لسانهم وخطبُهم وبيانهم"(١).