للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الطريقة المثلى لفهم القرآن والتأدب بآدابه وإحلال حلاله وتحريم حرامه، معرفة تفسيره وتدبر آياته {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: ٢٩] وقد روي عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، (اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه) (١). وعن إياس بن معاوية (٢) مبينًا شرف التفسير والحاجة إليه (مثل الذين يقرأون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره، كمثل قوم جاءهم كتاب من مليكهم ليلًا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة، ولا يدرون ما في الكتاب. ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرأوا ما في الكتاب" (٣). وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦٩] قال: (المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله) (٤).

والحق أن شرف كل علم بشرف موضوعه. ولما كان موضوع التفسير كلام الله تبارك وتعالى، وهو جماع السعادتين، لا عجب أن يتبوأ التفسير المكانة الأولى، وأن تتصدى للكتابة فيه أقلام العلماء، وأفكارهم لاستخراج كنوزه فجزاهم الله كل خير.

وكلما أظلمت الحياة في وجوه المسلمين، وطال ليلهم، كانوا أكثر ما يكونون حاجة إلى القرآن الكريم؛ ليخرجهم من هذه الظلمات، ولن يتأَتَّى لهم ذلك إلا بتدبره، ومعرفة تفسيره، فالقرآن -كما نعلم- لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على


(١) أخرجه البيهقي في الشعب، وابن أبي شيبة والحاكم، قال الحاكم صححه جماعة، ولكن الحافظ الذهبي والهيثمي وغيرهما أجمعوا على ضعفه. فيض القدير (١/ ٥٥٨).
(٢) قاضي البصرة أبو واثلة. يضرب بذكائه وفطنته المثل، روى عن أنس وجماعة ووثقه ابن معين، وكان صاحب فراسة توفي عام ١٢٢ هـ (سير أعلام النبلاء (٥/ ١٥٥)، شذرات الذهب (١/ ١٦٠)، حلية الأولياء (٣/ ١١٢٣)، وفيات الأعيان (١/ ٢٤٧).
(٣) صفوة البيان ج ١ ص ٥.
(٤) الطبري ج ٣ ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>