للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تؤتوه فاحذروا، أي: وإن لم يحكم بذلك فاحذروا من قبوله واتباعه) (١).

وبمطالعتنا لهذه الأحاديث التي وردت في سبب نزول هذه الآيات، نراها جميعها قد وردت بأسانيد صحيحة وفي كتب السنة المعتمدة، وأن بعضها قد حكى أن الآيات نزلت في شأن القضية التي تحاكم فيها اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعضها قد حكى أنها نزلت في قضية دماء. ولا تعارض بين هذه الأحاديث، فقد يكون هذان السببان قد حصلا في وقت واحد، أو متقارب، فنزلت هذه الآيات فيهما معًا. وقد قرر العلماء أنه لا مانع من تعدد أسباب النزول للآية الواحدة أو للطائفة من الآيات.

هذا، وقد افتتحت هذه الآيات الكريمة بنداء من الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال -سبحانه-: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ... } [المائدة: ٤١].

قال القرطبي: قوله -تعالى- (لا يحزنك) قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي. والحزن خلاف السرور. ويقال: حزن الرجل -بالكسر- فهو حزين وحزين .. ) (٢).

والمعنى: يا أيها الرسول الكريم إن ربك يقول لك: لا تهتم ولا تبال بهؤلاء المنافقين، وبأولئك اليهود الذين يقعون في الكفر بسرعة ورغبة، ويقولون بأفواههم آمنا بك وصدقناك، مع أن قلوبهم خالية من الإيمان، ومليئة بالنفاق والفسوق والعصيان ... لا تهتم -أيها الرسول الكريم- بهؤلاء جميعًا فإني ناصرك عليهم، وكافيك شرهم.

وفي ندائه -صلى الله عليه وسلم- بعنوان الرسالة: (يا أيها الرسول .. ) تشريف له وتكريم،


(١) تفسير ابن كثير جـ ٢ ص ٥٩.
(٢) تفسير القرطبي جـ ٦ جـ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>