للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإشعار بأن وظيفته كرسول أن يبلغ رسالة الله، دون أن يصرفه عن ذلك عناد المعاندين، أو كفر الكافرين، فإن تكاليف الرسالة تحتم عليه الصبر على أذى أعدائه حتى يحكم الله بينه وبينهم.

والنهي عن الحزن - وهو أمر نفسي لا اختيار للإنسان فيه - المراد به هنا: النهي عن لوازمه، كالإكثار من محاولة تجديد شأن المصائب، وتعظيم أمرها، وبذلك تتجدد الآلام، وتعز السلوى. وفي هذه الجملة الكريمة تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتأنيس لقلبه، وإرشاد له إلى ما سيقع له من أعدائه من شرور حتى لا يتأثر بها عند وقوعها.

وفي التعبير بقوله: {يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ .. } ذم لهم على انحدارهم في دركات الكفر بسرعة من غير أناة ولا تدبر ولا تفكر، فهم يتنقلون بحركات سريعة في ثنايا الكفر ومداخله دون أن يزعهم وازع من خلق أو دين.

قال صاحب الكشاف: يقال: أسرع فيه الشيب، وأسرع فيه الفساد بمعنى: وقع فيه سريعًا. فكذلك مسارعتهم في الكفر عبارة عن إلقائهم أنفسهم فيه على أسرع الوجوه، بحيث إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها) (١).

وقال أبو السعود: والمسارعة في الشيء: الوقوع فيه بسرعة ورغبة. وإيثار كلمة (في) على كلمة (إلى) للإيماء إلى أنهم مستقرون في الكفر لا يبرحونه وإنما ينتقلون بالمسارعة عن بعض فنونه وأحكامه إلى بعض آخر منها، كإظهار موالاة المشركين، وإبراز آثار الكيد للإسلام ونحو ذلك ... ) (٢).

وقوله: {مِنَ الَّذِينَ قَالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}. بيان لأولئك المسارعين في الكفر، والمتنقلين في دركاته من دركة إلى دركة.

وقوله: {بِأَفْوَاهِهِمْ} متعلق بقوله: {قَالوا}. وقوله: {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}،


(١) تفسير الكشاف جـ ١ ص ٦٣٢ - بتصرف يسير-.
(٢) تفسير أبو السعود جـ ٢ ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>