وقوله:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} معطوف على قوله: {مِنَ الَّذِينَ قَالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ... }. وعليه فيكون الذين هادوا داخلين في الذين يسارعون في الكفر.
أي إن المسارعين في الكفر فريقان: فريق المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وفريق اليهود الذين تميزوا بهذا الاسم واشتركوا مع المنافقين في نفاقهم والمعنى: لا تهتم يا محمد بأولئك الذين يسارعون في الكفر من المنافقين واليهود الذين من صفاتهم أنهم يظهرون الإيمان على أطراف ألسنتهم والحال أن قلوبهم خالية منه.
وعلى هذا المعنى يكون الكلام قد تم عند قوله -تعالى- {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} ويكون ما بعده وهو قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ... إلخ} من أوصاف الفريقين معًا. لأنهم مشتركون في المسارعة في الكفر.
ومنهم من يرى أن قوله -تعالى-: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} جملة مستأنفة لبيان أحوال فريق آخر من الناس وهم اليهود، وأن قوله -تعالى- بعد ذلك {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ... إلخ} من أوصاف هؤلاء اليهود، وأن الكلام قد تم عند قوله -تعالى-: {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}. وأن البيان بقوله:{مِنَ الَّذِينَ قَالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ .. } لفريق المنافقين.
قال الفخر الرازي قوله:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} ذكر الفراء والزجاج ها هنا وجهين:
الأول: أن الكلام إنما يتم عند قوله: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} ثم يبدأ الكلام من قوله:
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} وتقدير الكلام لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود. ثم بعد ذلك وصف الكل بكونهم سماعين للكذب.