وقوله:(يحرفون) من التحريف وأصله من الحرف، وهو طرف الشيء. ومعناه إمالة الكلام عن معناه، وإخراجه عن أطرافه وحدوده. والكلم: اسم جنس جمعي للفظ كلمة ومعناه الكلام.
أي إن هؤلاء القوم الآخرين الذين لم يحضروا مجلسك نفورًا منك، أو هم والمسارعون في الكفر من المنافقين واليهود من صفاتهم ودأبهم تحريف جنس الكلم عن مواضعه، فهم يحرفون كلامك يا محمد، ويحرفون التوراة، ويحرفون معاني القرآن حسب أهوائهم وشهواتهم، ويحرفون الحق الذي جئت به تارة تحريفًا لفظيًا، وتارة تحريفًا معنويًا، وتارة بغير ذلك من وجوه التحريف والتبديل.
وقوله:(من بعد مواضعه)، أي: يحرفون الكلم من بعد استقرار مواضعه وبيان حلالها وحرامها. وعبر هنا بقوله:(من بعد مواضعه)، وفي مواطن أخرى بقوله (عن مواضعه) لأن المقام هنا للحديث عن الأحكام المستقرة الثابتة التي حاول أولئك المسارعون في الكفر تغييرها وإحلال أحكام أخرى محلها تبعًا لأهوائهم - كما حدث في قضية الزنا وفي غيرها من القضايا التي تحاكموا فيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان من المناسب هنا التعبير بقوله:(من بعد مواضعه) أي: من بعد استقرار مواضعه وثبوتها ثبوتًا لا يقبل التحريف أو التغيير أو الإهمال.
وقوله:{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} بيان لما نطقت به أفواه أولئك الذين لم يحضروا مجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكر وخداع وضلال ...
أي: إن أولئك القوم الآخرين الذين لم يحضروا مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنادًا وتكبرًا، لم يكتفوا بتحريف الكلم عن مواضعه هم وأشياعهم، بل كانوا إلى جانب ذلك يقولون لمطاياهم السامعين منهم أو السامعين لأجلهم: يقولون لهم عندما أرسلوهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليحكم بينهم (إن أوتيتم هذا فخذوه) أي: إن أفتاكم محمد -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذا الذي نفتيكم به - كالجلد والتحميم بدل الرجم - فاقبلوا حكمه وخذوه واعملوا به (وإن لم تؤتوه فاحذروا) أي: وإن أفتاكم بغير ما أفتيناكم