للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرو السماع للأكاذيب التي يروجها أعداء الدعوة الإسلامية ضدها. وكثيرو السماع والقبول والاستجابة لما يقوله عنها قوم آخرون من أعدائها لم يحضروا مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- تكبرًا وعتوًا.

ويجوز أن يكون المعنى: أنهم كثيرو السماع للكذب عن محبة ورغبة، وأنهم كثيرو السماع لما يقوله الرسول -صلى الله عليه وسلم- لينقلوه إلى قوم آخرين - من أشباههم في الكفر والعناد - ولم يحضروا مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنفة وبغضًا. فأنت ترى أن القرآن قد وصفهم بفساد بواطنهم، حيث استحبوا الكذب على الصدق، كما وصفهم بضعف نفوسهم، حيث صاروا مطايا لغيرهم يطيعون أمرهم، ويبلغونهم أخبار المسلمين، فهم عيون على المسلمين ليبلغوا أخبارهم إلى زعماء الكفر والنفاق.

وإلى هذين المعنيين أشار صاحب الكشاف بقوله: ومعنى: (سماعون للكذب): قابلون لما يفتريه الأحبار ويفتعلونه من الكذب على الله وتحريف كتابه. من قولك: الملك يسمع كلام فلان، ومنه سمع الله لمن حمده.

وقوله: {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} يعني اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتجافوا عنه، لما فرط فيهم من شدة البغضاء، وتبالغ من العداوة. أي: قابلون من الأحبار ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك. وقيل: سماعون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأجل أن يكذبوا عليه، بأن يمسخوا ما سمعوا منه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، سماعون من رسول الله لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونًا ليبلغوهم ما سمعوا منه) (١).

وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ}. صفة أخرى للقوم الآخرين الذين لم يأتوا إلى مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنفة وبغضًا. أو للمسارعين في الكفر من الفريقين.


(١) تفسير الكشاف جـ ١ ص ٦٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>