حكم الله واضحًا فيما تحاكموا إليك فيه، ثم هم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما قضى الله به في كتابهم التوراة.
وقوله:(وما أولئك بالمؤمنين)، تذييل مقرر لمضمون ما قبله. ونفى الإيمان عنهم مع حذف متعلقه لقصد التعميم.
أي: وما أولئك الذين جاءوك يتحاكمون إليك من اليهود بالمؤمنين لا بكتابهم التوراة؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين به لنفذوا أحكامه، ولا بك يا محمد؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين بك لاستجابوا لك فيما تأمرهم به وتنهاهم عنه.
قال الفخر الرازي: قوله -تعالى-: (وكيف يحكمونك ... الخ): هذا تعجيب من الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- بتحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حد الزاني، ثم تركهم قبول ذلك الحكم، فعدلوا عما يعتقدونه حكمًا حقًّا إلى ما يعتقدونه باطلًا، طلبًا للرخصة. فلا جرم ظهر جهلهم وعنادهم في هذه الواقعة من وجوه: أحدها: عدولهم عن حكم كتابهم. والثاني: رجوعهم إلى حكم من كانوا يعتقدون فيه أنه مبطل. والثالث: إعراضهم عن حكمه بعد أن حكموه. فبين الله حال جهلهم وعنادهم لئلا يغتر بهم مغتر أنهم أهل كتاب الله، ومن المحافظين على أمر الله) (١).
واعذرني أيها القارئ أن أطلت النقل إذ إن الكلام متّصل بعضه ببعض، إذ الآيات لم تُفَسَّر نجمًا نجمًا، وهذا النجم قد يكون آيتين أو ثلاثًا أو أكثر من ذلك.
وأنت ترى من خلال ما نقلته لك أن الشيخ كانت له عناية:
١ - بأسباب النزول، حيث ذكرت بعض الروايات في نزول هذه الآيات، ورجح بينها.