وبعد أن بين -سبحانه- أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أعمالها ... أتبع ذلك بأمر الإنسان بالتفكر فيما ينفعه، بأن يعتبر بأول نشأته، وليعلم أن من خلقه من ماء مهين، قادر على إعادته إلى الحياة مرة أخرى، فقال -تعالى-: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ .. }.
والفاء في قوله:{فَلْيَنْظُرِ ... } للتفريع على ما تقدم، وهي بمعنى الفصيحة، وقوله:(خلق من ماء دافق) جواب الاستفهام في قوله -سبحانه- {مِمَّ خُلِقَ} والمقصود بالاستفهام هنا: الحث والحض على التفكر والتدبر ...
و(دافق) اسم فاعل من الدفق، وهو الصب للشيء بقوة وسرعة، يقال: تدفق الماء إذا سال باندفاع وسرعة، والمراد به هنا: الماء الذي يخرج من الرجل ويصب في رحم المرأة.
والصلب: يطلق على فقار الظهر بالنسبة للرجل، والترائب: جمع تريبة، وهي العظام التي تكون في أعلى صدر المرأة، ويعبرون عنها بقولهم موضع القلادة من المرأة.
أي: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم -أيها الناس-، من أن كل نفس عليها حافظ يسجل عليها أقوالها وأفعالها ... فلينظر الإنسان منكم نظر تأمل وتدبر واعتبار، وليسأل نفسه من أي شيء خلق؟ لقد خلقه الله -تعالى- بقدرته، من ماء دافق، يخرج بقوة وسرعة من الرجل، ليصب في رحم الأنثى ...
وهذا الماء الدافق من صفاته أنه يخرج من بين صلب الرجل، ومن بين ترائب المرأة، حيث يختلط الماءان، ويتكون منهما الإنسان في مراحلة المختلفة بقدرة الله -تعالى-.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما وجه اتصال قوله: (فلينظر) بما قبله؟
قلت: وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظًا، أتبعه بتوصية الإنسان.