للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إذا كان المراد به ذلك فليس لنا أن نقول إنه يصدق على مصر فرعون، وذلك لأن الأمصار التي تنبت ما طلبوا من البقول والخضر أقرب إليهم من مصر، فليس المعقول أن يؤمروا بالذهاب إلى مصر فرعون وهي بعيدة عن مكانهم بعدًا شاسعًا، ويتركوا الأمصار الأقرب إليهم وفيها ما يريدون.

٢ - لم ينقل أحد من المؤرخين أنهم رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها كما قال أبو حيان وغيره، بل الثابت أن بني إسرائيل خرجوا من مصر، وأمروا بعد خروجهم بدخول الأرض المقدسة لقتال الجبارين، ولكنهم أبوا طاعة نبيهم عليه السلام، فعذبوا بالتيه أربعين سنة؛ لتخلفهم عن قتال الجبارين؛ ولعصيانهم أمر نبيهم، وماتوا جميعًا في التيه، وبقي أبناؤهم، ، فامتثلوا أمر الله تعالى وهبطوا إلى الشام، وقاتلوا الجبارين ودخلوا الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون.

٣ - ليس في الآية ما يشعر بأن موسى عليه السلام، طلب من ربه أن يجيبهم إلى رغبتهم، فكيف نقول بما لم يدل عليه القرآن الكريم ولو من طريق الإشارة؟ .

٤ - دخولهم في التيه كان عقوبة لهم على نكوصهم عن قتال الجبارين، ليدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، فالتيه والحالة هذه، كان بمثابة سجن لهم يعاقبون فيه، كما يشعر بذلك قوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: ٢٦] فكيف يخرج السجين من سجنه تلبية لبعض رغباته المنكرة، وبناء على ذلك يكون الأمر في قول موسى لهم {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} للتهديد والتوبيخ والتجهيل) (١).

هذا هو التفسير الوسيط في منهجه وخصائصه ومميزاته، وإنه بحق وسط بين التفاسير. ولقد أدى الغرض الذي كتب من أجله، وأوصل إلى الغاية التي توخيت منه، وأرجو الله تعالى أن يكرم مؤلفيه بنعمة إتمام هذا التفسير.


(١) ٤/ ص ٢٠٢ - ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>