إذا تقرر هذا قال لنا قائل: إذا كانت أعمال الإنسان مقدرة عليه تقديرًا، فكيف يصحّ أن يعاقبه في الآخرة على فعل ليس هو فاعله في الحقيقة؟ .
حل هذه المسألة يقتضي أن ندرك كنه علاقة الإنسان بالخالق، وكيفية ترتب الأحوال في العالم الأخروي على أعمال الإنسان في هذا العالم، وحكمة خلق الشر في الدنيا، وحقيقة النظام الكوني من حيث عوامله وكائتاته، وغاية كل منها، والخلاصة أن حل هذه المسألة العويصة يستدعي تمام الإلمام بمسائل ليس للإنسان منها إلا علم سطحي لا يغني عن الكنه شيئًا، ولو سمحنا لأنفسنا بالخوض في هذه المسألة مع جهلنا لمقدماتها كنا كالجهال يرون الترامواي سائرًا، فيعللون حركته تعليلًا طفليًا يضحك العاقل، ويضل الجاهل، فوقوفنا أمام هذه المسألة سببه جهلنا بمقدماتها، فإذا انتظرنا حتى يفتح الله علينا بالمقدمات، كان كلامنا فيها عن بصيرة وبيّنة.
إنا نستطيع أن نذكر في هذه الموضوع كلامًا ننفي به عن أنفسنا أمام البسطاء صفة الجهل، ولكنا نعلم أن ما من حل لهذه المسألة إلا وهو قابل للانتقاد والرد، فليجعل كل منا هذه المسألة مما يسأل الله هدايته إلى حله، وليتق الله في الطلب، وهو يفتح عليه من العلم والطمأنينة ما لا يجد بعضه بالجدال والخصومة، قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٢].
أقول: إن أمر القدر من الأمور التي تاهت فيه كثير من العقول وقد عرضت لشيء من هذا في الكتاب الأول عند حديثي عن الدكتور مصطفى محمود، حيث عرض إلى قضية القدر، وكان لا بد من مناقشته هناك، على أن الأستاذ محمد فريد وجدي رحمه الله قد يكون أصاب كبد الحقيقة حينما قرر أن هذه القضية من القضايا التي سيظل الإنسان فيها محتاجًا إلى تعليم الله وهدايته، ولعل من سلامة العقيدة أن تدرس هذه القضية على ضوء الهدي الرباني في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وللعلامة الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في دار الخلافة عرض مبسط، فقد