وعند قوله تعالى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ}[التكوير: ٢٩] قال الشيخ: "وفي هذه الآية وأمثالها ردُّ على فرقتي القدرية النفاة والقدرية المجبرة".
وهكذا سار الشيخ السعدي في آيات العقيدة، يفسِّرها تفسيرًا سلفيًا مجملًا دون إطالة ولا استطراد.
والسعدي رحمه الله يحرص في تفسيره على تجلية الآداب والأخلاق التي تعرض لها الآيات الكريمة، ويحاول في إيجاز واختصار استنباط الفوائد الدعوية والتربوية التي من شأنها أن تفيد القارى، وتزيده استمساكًا بالفضيلة، وتجنبًا للرذيلة.
فعند تفسيره للآيات التي تذكر أن اليهود نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين من السحر قال الشيخ منبهًا على اشتغال النفس بالباطل حين لا تشتغل بالحق:"ولما كان من الفوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه، وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع، ابُتلي بالاشتغال بما يضره. فمن ترك عبادة الرحمن، ابُتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله، أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذكَ لربه ابتُلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل"(١).
وعند قوله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}[البقرة: ١٣٨] قال السعدي رحمه الله: "وإذا أردت أن تعرف نموذجًا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصِّبغ، فقس الشيء بهذه، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانًا صحيحًا، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتجلى بكل وصف حسن، وفعل جميل، وخلق كامل، ونعت جليل. ويتخلى عن كل وصف قبيح، ورذيلة وعيب، فوصفه الصدق في قوله وفعله، والصبر والحلم، والعفة والشجاعة، والإحسان القولي والفعلي، ومحبة الله وخشيته، وخوفه ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود،