زميلاتي وزملائي على استعمالها وتعليمها حتى تعود العربية لغة البلاد" فتأثر الشيخ تأثرًا واضحًا وقام قائلًا: "إني دخلت هذه البلاد ولم يكن فيها من يحترم هذه اللغة، دخلت الجزائر واللغة العربية فيها مجهولة مهجورة، فكافحت طويلًا وتألمت كثيرًا لأعيد اللغة العربية إلى الجزائر العربية، ولو لم يكن من جزاء لي إلا ما قالته ثومة لكفى" (١).
ويقول كذلك صديقه العلامة محمد البشير الإبراهيمي: "كان للأخ الصديق عبد الحميد بن باديس - رحمه الله - ذوقًا خاصًّا في فهم القرآن، كأنه حاسة زائدة خُصّ بها، يرفُده بعد الذكاء المشرف، والقريحة الوقادة، والبصيرة النافذة، بيان ناصح وإطلاع واسع، وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الاجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه.
يمدّ ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يُرزقها إلا الأفذاد المعدودون في البشر.
وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح والتربية والتعليم، وهو أنه لا فلاح للمسلمين إلا بالرجوع إلى هدايته، والاستقامة على طريقته، وهو رأي الهداة المصلحين فيه.
وكان يرى - حين تصدى لتفسير القرآن - أن تدوين التفسير بالكتابة مشغلة عن العمل المقدم، لذلك آثر البدء بتفسيره درسًا تسمعه الجماهير، فتتعجل من الاهتداء به ما يتعجّله المريض المنهك من الدواء وما يتعجله المسافر من الزاد.
وكان - رحمه الله - يستطيع أن يجمع بين الجنسين، لولا أنه كان مشغولًا مع ذلك بتعليم جيل، وتربية أمة، ومكافحة أمية، ومعالجة أمراض اجتماعية، ومصارعة استعمار يؤيدها.