في قوله:(يا رب): إظهار لعظيم التجائه، وشدة اعتماده. وتمام تفويضه لمالكه ومدبر أمره، وموالي الإنعام عليه.
وفي التعبير عنهم بقومه وإضافتهم إليه، وفي التعبير عن القرآن باسم الإشارة القريب - بيان لعظيم جرمهم بتركهم للقرآن، وهو قريب منهم في متناولهم (١)، وقد أتاهم به واحد منهم، أقرب الناس إليهم، فصدوا، وأبعدوا في الصد عمن هو إليهم قريب من قريب، وهذا أقبح الصد وأظلمه.
وفي قوله:(اتخذوا) إلخ ... بيان أنهم جعلوا الهجر ملازمًا له ووصفًا من أوصافه عندهم. وذلك أعظم من أن يقال: هجروه، الذي يفيد وقوع الهجران منهم، دون دلالة على الثبوت والملازمة.
المعنى:
قال الرسول شاكيًا لربه: إن قومي الذين أرسلتني إليهم بالقرآن لأتلوه عليهم، قد صدوا عنه وتركوه، وثبتوا على تركه وهجره.
استنتاج واعتبار:
في شكوى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من هجرة القرآن دليل على أن ذلك من أصعب الأمور وأبغضها لديه.
وفي حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير للهاجرين بإنزال العقاب بهم إجابة لشكوى نبيه.
ولما كان الهجر طبقات أعلاها عدم الإيمان به ... فلكل هاجر حظه من هذه الشكوى وهذا الوعيد.
(١) ولا مانع أن تكون الإشارة بالقرب للعظمة، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، خاصة وقائلها الرسول.