ونحن - معشر المسلمين - قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل، وإن كنا به مؤمنين:
١ - بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة فهجرناها، وقلنا: تلك أدلة سمعية لا تحصل اليقين، وأخذنا في الطرائق الكلامية المعقدة، وإشكالاتها المتعددة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمره على الطلبة فضلًا عن العامة.
٢ - وبين القرآن أصول الأحكام، وأمهات مسائل الحلال والحرام، ووجوه النظر والاعتبار، مع بيان حكم الأحكام وفوائدها في الصالح الخاص والعام، فهجرنا، واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، محجبة وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفنى الأعمار قبل الوصول إليها.
غلو وتنطع
٣ - وبين القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها، ومساويء الأخلاق ومضارها وبيَّن السبيل للتخلي عن هذه والتحلي بتلك، مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس والسلامة من الخيبة بتدسيتها.
فهجرنا ذلك كله، ووضعنا أوضاعًا من عند أنفسنا، واصطلاحات من اختراعاتنا، خرجنا في كثرها عن الحنيفية السمحة إلى الغلو والتنطع.
وعن السنة البيضاء إلى الأحداث والبدع، وأدخلنا فيها من النسك الأعجمي، والتخيل الفلسفي ما أبعدها غاية البعد عن روح الإسلام، وألقى بين أهلها بذور الشقاق والخصام، وآل الحال بهم إلى الخروج من أثقال أغلالها، والاقتصار على بقية رسومها للانتفاع منها، ومعارضة هداية القرآن بها.