ويجوز - إذا راعينا الأدب وكمال التنزيه في حمل الألفاظ التي تضاف إلى كلمة رب على أشرف معانيها - أن تحمل كلمة (الناس) على معنى أخص مما يتناوله عموم الجنس، وهو الأماثل، والأخيار، منهم الجامعون لمعاني الإنسانية الفاضلة، وهذا المعنى تعرفه العرب: فإنهم كثيرًا ما يطلقون اسم الجنس على الفرد، أو الأفراد الكاملين في حقيقته. وإن كان هذا من المجاز في كلامهم وقد حملوا على هذا المعنى، قوله تعالى:{آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ}.
تكرير اللفظ:
ونكتة الإعادة والإظهار للفظ الناس توضيح المعنى، وإلفات النفس إليه، وإيقاظ شعورها به، والتسجيل على الناس بأن لهم ربًا هو مالكهم وإلههم.
من شر الوسواس:
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ}.
(الوسواس) هنا صفة الموسوس، وإن خالف المعهود في أبنية الصفات أو هو اسم بمعنى الوسوسة كالزالزال والزلزلة.
وأصل هذه الكلمة دائر على معنى الخفاء (١) والعرب تسمي حركة الحلى وسواسًا وهذا المعنى واضح في المراد هنا: فإن الموسوس من الجن في نهاية الخفاء هو وعمله، والموسوس من الأنس يتحرى الإخفاء ما استطاع ويحكم الحيلة في ذلك، ولا يرمي رميته إلا في الخلوات.
وإن الناس ليعرفون عرفانًا ضروريًا من الفرق بين المصلحين والمفسدين: أن الأولين يصدعون بكلمة الحق مجلجلة، ويرسلون صيحته داوية، ويعملون أعمالهم في وضح النهار ومحافل الخلق.
(١) من دوران اللفظ حول المعنى، والشيخ خصّ "بفقه اللغة" وهو علم جدير بالاعتناء والدراسة لأصول اللغة العربية.