فاعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته زعيم رباني جمع الله له مظاهر الزعامة جميعًا، فهو يخاطب القلوب والعقول، ويختط سبل الإصلاح الاجتماعي والسياسي، ويحدث في أمته وبها ثورة فكرية عملية تدفع الإنسانية إلى الأمام عدة مراحل.
والفرق بين الزعامتين: الزعامة المسممدة من قوى البشر، والزعامة المستمدة من إمداد الله، أن الثانية صواب كلها لا خطأ فيها، وأنها أدوم أثرًا وأبقى على الزمن، وأنها أعم وأشمل في نواحي الحياة كلها.
والفرق بين الزعماء الربانيين وهم الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - في القديم، وبين الزعيم الأخير سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن أحد أولئك - صلوات الله وسلامه عليهم - إنما كان يأتي للأمة الواحدة أو الأمم المتجاورة، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث للناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وأن الشرائع السابقة كانت عرضة للتبدل أو التغير، أما الشريعة الختامية فقد كفلت بالحراسة الإلهية، وبقيت في كنف قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
إذا تقرر هذا علمنا أية نعمة على البشر ينعمها الله تبارك وتعالى بالأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وعلمنا الارتباط بين الآية الكريمة:{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} وبين ما قبلها من قول الله تبارك وتعالى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
أما وظائف الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد أجملتها الآية الكريمة في هذه العناصر المباركة:
* {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} يصلكم بالحق ويبلغكم دستور السماء، ويتلو عليكم نظام الله الذي إن تمسكتم به سعدتم، وإن هديتم بهديه رشدتم، فوظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأولى تبليغ دستور الله لعباد الله.
* {وَيُزَكِّيكُمْ} يطهر أخلاقكم ويصفي نفوسكم ويطبعها على الخير، ويغسلها من أدران الرذائل، حتى تستعد لفقه هذا الدستور وتنشط للعمل به وتحرص على حمايته. فإذا كانت الوظيفة الأولى إيصال الدستور من السماء إلى