للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس ... وإنما يكون حب الإنسان لهذه العوارض نتيجةَ حُبِّه لنفسه وثمرة حرصه على إسعادها.

ألا كلُّنا يبغى الحياةَ لنفسه ... حريصًا عليها مُستهامًا بها صَبّا

فحبُّ الجبان النفسَ أورده التقى ... وحبُّ الشجاع النفسَ أورده الحربا

فإذا جاد الإنسان بنفسه وسخا بروحه، فقد جاد بكل شيء والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

وبعد أيها الأخ: فهذه لوامع بروق تسطع في قلوب المؤمنين حين تهطل عليهم سحائب فيض الحب النبوي من سماء الحقيقة المحمدية فتهتف بها ألسنتهم وتجري بها أقلامهم، وإن في القول بعد ذلك لسعة، وإن ما يبدو في مرآة قلوب العارفين لا حد له، فسل الله يعطك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وبعد أن ملأت سمعك وقلبك من روائع هذا الجمال هلمَّ نتفهم الآية الكريمة: إن ربك يقول لك: النبي أحق بك من نفسك، فنفسُك وكل ما تملك فداء لنبيك وملْك لرسولك - صلى الله عليه وسلم - وَوَقف على مناصرة الدعوة وحماية شريعته، ليس لك أن ترغب بنفسك عن نفسه أو تحتجز روحَك أو مالك أو كل ما تملك عن مناصرته، وفي هذا المعنى وردت الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، والآية الكريمة: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: ١٢٠].

والحديث الصحيح: "تالله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به". وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اختار الرفيقَ الأعلى وفارق الحياة الدنيا، فإن هذا المعنى ثابتٌ لسنته من بعده ولشريعته الباقية الخالدة، فهي أولى بكل مؤمن من نفسه وأحق به من أهله وأرضه ومسكنه وقومه وعشيرته والناس أجمعين. فَهمَ المسلمون

<<  <  ج: ص:  >  >>