وتظلَّ هائمة على وجهها لا تُصِيخ لناجح، ولا تسمعُ لمرشد، حتى تحين فيها ساعة الفناء" [مقاصد القرآن الكريم ص ١٣٢ - ١٣٣].
٥ - وكتب الشيخ البنا رحمه الله مقالة بديعة جملة في تفسير قوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[الأحزاب: ٦]، فقال:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة: ٥٤] تعال معي - أيها الأخ القاريء - لنَقفَ برهة أمام هذه الآية الكريمة فَنسْتَجلى ما فيها من روائع الجمال اللفظي وبدائع التفضل المعنوي ثم نقول بعد ذلك ... ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء:
١ - أرأيت كيف عبَّر القرآنُ الكريمُ عن محمد - صلى الله عليه وسلم - (بالنبي) وهل تذوقْتَ ما في هذا اللفظ الكريم من معاني التعظيم والتكريم والشرف العالي والمنحة الخاصة والمقام السامي الرفيع الذي نَبَا عن تقدير الناس وسَمَا عن مقاييسهم وموازينهم.
٢ - وأَرأيتَ كيف عبَّر القرآن الكريم عن الاستحقاق بالولاية فوقعت كلمة (أولى) موقع كلمة (أحق) لما في الأولى من الشعور بأن ذلك الاستحقاق إنما كان عن الحب والولاء والرغبة والرجاء لا عن خوف ولا إرهاب ولا إلزام ولا إكراه.
٣ - وأرأيت كيف عبَّر القرآنُ بكلمة (المؤمنين) ولم يقل الناس أو المسلمين لما في هذه الكلمة من الإشارة إلى أن هذه الأولوية ثمرة التصديق ونتيجة الإيمان واليقين كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "تالله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ومن نفسه التي بين جنبيه".
وهناك لطيفة أخرى هي أن هذه الفضيلة فضيلة موالاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كتبها الله لأشرف طبقات الخلق وهم المؤمنون تعظيمًا لقدر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتقديرًا لتصديق عباده المؤمنين.
٤ - وأرأيت كيف عبَّر (بالأنفس) ليُدخِلَ في هذه الأولوية كلَّ ما دونها وهو كل شيء من مباهج الحياة ومظاهرها ... فالأهلُ دون النفس ... والمالُ دون النفس ... والمسكنُ دون النفس ... والزوجُ دون النفس ... والعشيرةُ دون