غاض من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شيء أفضل من تلاوة في تدبر وخشوع (١).
٤ - وفي مقالة بعنوان (من سنن الله في تربية الأمم) فسَّر الشيخ البنا رحمه الله قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: ٢١٤] وقال بعد أن عرض لسبب نزول الآية والروايات فيه: "وأيًّا ما كان سبب النزول فإن الآية الكريمة تقرر سنَّة من سنن الله في حياة الأمم، ذلك أن كل أمة بين طورين لا ثالث لهما، يخلف كل منهما الآخر متى توفرَّت دواعيه وأسبابه، هذا الطوران هما: طور القوة وطور الضعف.
فالأمة تقوى إذا حدَّدت غايتها، وعزمت مثلها الأعلى، ورسمت منهاجها، وصَمَّمت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج، والمحاكاة للمثل مهما كلَّفها ذلك من تضحيات إذا صدقت عزيمة الأمة، وقويت إرادتها في ذلك، فقد قويت قوة مطردة لا تزال تزداد حتى تتسلَّم غوارب المجد، ولا يمكن لأية قوة في الأرض أن تُضعف هذه القوة أو تنال من تلك الأمة وهي على هذا الحال.
"ولا تزال الأمة بخير حتى تنسى الغاية، وتجهل المثل وتضل المنهاج، وتؤثر المنفعة والمتعة على الجهاد والتضحية، وتهن العزائم، وتضعف الإرادات، وتنحلَّ الأخلاق، ويكون مظهر ذلك الإغراق في الترف والقعود عن الواجب، وحينئذٍ تأخذ الأمة في الضعف، ويدبُّ إليها دبيبُ السَّقم الاجتماعي، ولا تزال تضعف حتى تتجدد أو تبيد: وسبيل التجدد أن يتُيح الله لها الطبيب الماهر، فيهتدي إلى الدواء الناجح، وتتبعُه الأمة في تناول هذا الدواء، فتموتُ جراثيم المرض وتعود إليها القوة ... وتملك مهمة المصلحين والقادة مصابيح الهدى، وشموسُ النهضات، بِهِم تنجلي كل فتنة عمياء ... وسبيل الإباءة أن تسدر الأمة في غيِّها،
(١) مجلة الشهاب - السنة الأولى - العدد ٢ في غزة صفر ١٣٦٧ هـ / ١٤ ديسمبر ١٩٤٧ م.