انطلق لسانه بحمد هذا الإله الرحمن الرحيم، وذكَّره الحمد بعظيم نعمه وكريم فضله وعظيم آلائه البادية في تربيته للعوالم جميعًا، فأجال بصيرته في هذا المحيط الذي لا ساحل له، ثم تذكر من جديد أن هذه النعم الجزيلة والتربية الجليلة ليست عن رغبة ولا رهبة ولكنها عن تفضل ورحمة فنطق لسانه مرة ثانية بالرحمن الرحيم، ولكن من كمال هذا الإله العظيم أن يقرن الرحمة بالعدل، ويذكر بالحساب بعد الفضل فهو مع رحمته السابغة المتجددة سَيَدِينُ عباده، ويحاسب خلقه يوم الدين:{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار: ١٩]. فتربيته لخلقه قائمة على الترغيب بالرحمة، والترهيب بالعدالة والحساب، وإذا كان الأمر كذلك فقد أصبح العبد مُكلَّفًا بتحري الخير والبحث عن وسائل النجاة، وهو في هذا أشد ما يكون حاجة إلى من يهديه سواء السبيل، ويرشده إلى الصراط المستقيم، وليس أولى به في ذلك من خالقه ومولاه، فليلجأ إليه وليعتمد عليه وليخاطبه بقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وليسأله الهداية من فضله إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق واتباعه، غير المغضوب عليهم بالسلي بعد العطاء والنكوص بعد الاهتداء، وغير الضالين التائهين الذين يضلون عن الحق أو يريدون الوصول إليه فلا يوفقون للعثور عليه آمين.
فهل رأيت تناسبًا أدق أو ارتباطًا أوثق مما تراه بين معاني هذه الآيات الكريمات؟ .
وتذكر وأنت تهيم في أودية هذا الجمال ما يرويه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه في الحديث القدسي، الذي أوردناه آنفًا:"قَسَّمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي". وأَدِمْ هذا التدبر والإنعام. واجتهد أن تقرأ في الصلاة أو غيرها على مكث وتمهل وخشوع وتذلل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتعطي التلاوة حقها من التجويد والنغمات من غير تكلف ولا تطريب، أو اشتغال بالألفاظ عن المعاني، مع رفع الصوت المعتدل في التلاوة العادية أو الصلاة الجهرية، فإن ذلك يعين على الفهم ويثير ما