شغلوا بالحروب من مبدأ نشأتهم وكانت حروبًا قاسية طويلة ومتتابعة، والثالث أنهم مع ما هم عليه من شؤون -كانوا يخلصون لعقيدتهم ويتمسكون بإيمانهم إلى حد كبير، ويرون أن الكذب جريمة من أكبر الجرائم، فلعل هذا دعاهم إلى عدم الخوض في تفسير القرآن الكريم.
وينتقل الكاتب للحديث عن التفسير الصوفي، والإشاري ثم التفسير الفلسفي، حيث دخلت الترجمة إلى بلاد المسلمين في العصر العباسي، وترجمت الكتب إلى اللغة العربية من اللغات المختلفة ومن هذه الكتب كتب الفلسفة، وقد قرأ بعض المسلمين هذه الكتب الفلسفية، فراقت لبعض منهم، ولم ترق لآخرين، والذين راقت لهم حاولوا التوفيق بينها وبين الدين عن طريقتين:
الأولى: طريقة التأويل للنصوص الدينية والحقائق الشرعية بما يتفق مع الآراء الفلسفية أي. إخضاع تلك النصوص والحقائق إلى هذه الآراء حتى تسايرها وتتمشى معها.
والثانية: شرح النصوص الدينية والحقائق الشرعية بالآراء والنظريات الفلسفية ومعنى هذا أن تطغى الفلسفة على الدين وتتحكم في نصوصه وهذه الطريقة أخطر من الأولى وأكثر شرًّا منها على الدين.
ويأتي ببعض الشروح الفلسفية للقرآن، من مثل تفسير الفارابي، وتفسير إخوان الصفا وابن سينا الذي كان حريصًا كل الحرص على أن يوفق بين الدين والفلسفة والذي حكم النظريات الفلسفية في النصوص القرآنية فشرحها شرحًا فلسفيًا بحتًا، ومن تفسيره ما ذكره عند قوله تعالى {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قال: هذه القوة التي توقع الوسوسة هي القوة المتخيلة بحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية، ثم إن حركتها تكون بالعكس، فإن النفس وجهها إلى المبادئ المفارقة، فالقوة المتخيلة إذا جذبتها إلى الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس أي تتحرك بالعكس وتجذب النفس الإنسانية إلى العكس، فلهذا سمي خناسًا.