للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها لاصقًا بها، وقد تردد هذا المعنى في كثير من آيات القرآن الكريم، وجاء ذكر الإنسان والنفس الإنسانية مقرونًا بالظلم تارة، وبالجحود تارة أخرى، وهكذا قال تبارك وتعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار} [إبراهيم: ٣٤] , وقال تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢] , وقال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣] , ويكون المراد على ذلك والله أعلم: أن الله تبارك وتعالى يغفر للناس تفضلا منه وكرما وإن كانت طبائعهم إلى الشر والظلم أقرب.

ومن ذلك تعلم أن الإنسان في أشد الحاجة إلى محاسبة نفسه ومراقبتها أدق المراقبة ومقاومة غرائز السوء فيها، وتقوية عوامل الصلاح والخير التي تحيط بها حتى يسلس له قيادها ويسير في الطريق المستقيم، وذلك بإشعارها الخوف تارة وأخذها بالشدة والقسوة، وإشعارها الرَّجاء تارة أخرى وأخذها باللين والأمل.

قال الإِمام النووي في رياض الصالحين: (اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفًا راجيًا ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض بمحض الرَّجاء، وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة متظاهرةٌ على ذلك ... فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية واحدة). أهـ.

وكأن رحمه الله أشار بتغليب الرَّجاء في حال المرض إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتَنَّ أحدكُم إلا وهو يُحسنُ الظن بالله عَزَّ وَجَلَّ". (رواه مسلم).

والقاعدة التي يجب أن يسير عليها الإنسان دائمًا الفرار إلى الخوف إذا استنام إلى الرَّجاء، والفرار إلى الرَّجاء إذا استبد به الخوف، وهكذا لا يزال يكسر حدَّةَ أحدهما بالآخر بحسب حاله في مجاهدة نفسه.

وفي التعبير بالربوبية في قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ} إشارة إلى عظيم لطف الله تبارك وتعالى بعباده ووعده إياهم بفضله وبره، وأن المراد بالثواب والعقاب إنما هو كمال تربية النوع الإنساني حتى يصل إلى كماله المنشود.

<<  <  ج: ص:  >  >>