للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذا الشطر من الآية الكريمة: أي أنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرَّجاء والخوف كما قال تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧)} [الأنعام: ١٤٧] وقال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩ - ٥٠] إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الرَّجاء والخوف.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد بن سعيد بن المسيب قال لما نزلت الآية: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا عفو الله وتجاوزه ما هنا أحدًا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتَّكَل كلُّ أحد". وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد". (رواه مسلم).

وذهب ابن جرير إلى أن المغفرة المذكورة هنا خاصة بالمؤمنين التائبين والعقوبة للكافرين والعاصين، وأن الكلام إن كان خبرًا في ظاهره فإنه وعيد وتهديد للمشركين من أهل مكة إن لم يتوبوا وينيبوا إلى الله تبارك وتعالى قبل أن يحل عليهم غضبه وعقوبته ونقمته، ولا ينافي هذا ما ذكرناه من تقرير الناموس العام في حكمة ذكر الثواب والعقاب والعدل والرحمة مقترنين دائمًا في كتاب الله.

واستدل الأشاعرة بقوله تعالى: {عَلَى ظُلْمِهِمْ} بعد ذكر المغفرة، على مذهبهم من جواز العفو عن صاحب الكبيرة قبل التوبة، وقد أطال النيسابوري في توجيه هذا الاستدلال وكأنهم يريدون أن يجعلوا الظلم المذكور في الآية إنما يراد به التلبس بالإثم والعصيان ... والذي تطمئن إليه النفس أن المراد بالظلم هنا ما عرف من قوة ميل النفس الإنسانية إلى الشر أكثر مما تميل إلى الخير حتى صار ذلك وصفًا ملازمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>