بحياة فرنسا الزائلة ويتغنون بآدابها وفنونها ومفاتنها التي صرفت شعبها عن الجد والتضحية إلى اللهو والملذات فحق عليها القول وصارت مَثُلَةً بين الدول في هذا المصير ... (١) وهذه عبرة أخرى من تاريخ غيرنا ممن يعاصروننا ويتصلون بنا أوثق اتصال يجب كذلك أن نطيل النظر فيها، ونعمل جاهدين على بناء نهضتنا على دعائم قوية صحيحة من الجد والعمل والخلق والإيمان والتضحية والكفاح، فإن البقاء دائمًا للأصلح. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الخلق عبثًا ولم يتركهم سدى، وإنما خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، وليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وفي الإنسان الاستعداد القابل للخير والشر: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)} [الشمس: ٧ - ١٠] , وإنما تجئ الأديان لِتُقَوِّيَ في النفوس البشرية معاني الخير، وتبين لها طرق المقاومة لنوازع الشر، وبذلك تهتدي إلى الصراط المستقيم: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥ - ١٦] , والنفس الإنسانية إنما تقاد إلى الخير وتُوزَعُ عن الشر بأحد عاملين: إما الخوف، وإما الرَّجاء بالرغبة أو بالرهبة، ولا بد من تعادل هذين العاملين في التأثير في النفس وإلا كانت عرضة للانحراف، فإذا غلبها الخوف بغير رجاء أدَّاها ذلك إلى اليأس، وإذا غلبها الرَّجاء بدون خوف أَدَّاها ذلك إلى التحلل والإباحة، ومن هنا كان ناموس المؤاخذة من الله لخلقه دائرًا بين هذين العاملين، فهو سبحانه وتعالى يطمعهم في رحمته ومغفرته وفاقًا لقانون الفضل الرباني ثم يحذرهم سطوته وعقوبته وجبروته إحقاقًا للعدل الإلهي.
(١) كُتب هذا المقال وفرنسا ترزح تحت الاحتلال الألماني بعد هزيمتها عسكريًا واحتلال أراضيها.