للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحدة العربية، وبذلك دب إلى النفوس الإِسلامية داء الأمم من قبل: البغضاءُ وفسادُ ذات البَين التي تفسد أمر الدنيا والدين، وهبت عواصف الحرب فزادت دسائسها ومكائدها النفوس جفوةً وتباعدًا، وكان أن ثار العرب على الحكومة التركية وصار المسلمون قسمين كلُ قسم إلى صف عدو من أعداء دينهم وقوتهم وجامعتهم، وانتهت الحرب بتفريق جامعتهم وضياع الرسم الباقي من خلافتهم وانحلال حكومتهم، وكان ذلك جزاء وفاقًا بما كسبت أيديهم ومثلة منذرة بعاقبة المقصرين المفرطين .. هذه عبرة من تاريخنا يجب أن نطيل إليها النظر في هذا العصر الذي لا يعيش فيه إلا الأمم القوية بعددها وعدتها ورابطتها وإيمانها، ونعمل جاهدين لإحياء الجامعة الإِسلامية والوحدة المحمدية، ولا ننخدع أبدًا ... أبدًا بهذه الوعود الكافرة الجاحدة، بل نعتمد على أنفسنا ونستمد النصر والتأييد من الله وحده وبذلك تعود إمامة المسلمين وتتجدد دولتهم.

وقامت هذه الحرب الحاضرة (١) بين قوتين عظيمتين في أوروبا بين الدولة الألمانية ومن شايعها من جانب وبين فرنسا وإنجلترا ومن شايعهما من جانب آخر، وما كان الناس يظنون أو يخطر ببالهم أن دولة غنية مجهزة مستعدة كفرنسا تُهزم شر هزيمة في أيام قلائل ويقضي على استقلالها وجيشها وسلطانها ويحتل عدوها أرضها ويتحكم في كل مقدراتها، هذا أمر لم يكن يخطر ببال أحد بمثل هذه السرعة العجيبة ولكن رئيس وزرائها (المسيو بيتان) قد أماط اللثام عن سر ذلك بكلمته المشهورة: (لقد أتت الهزيمة من الانحلال، ودمرت روح الملذات ما شيدته روح التضحية) وكان ذلك مصداقًا للناموس الإلهي الخالد في حياة الأمم والشعوب: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: ٥٣] , وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)} [الإسراء: ١٦] ومع هذا فما زال كثير من المسلمين يُعجَبون


(١) المقصود بالحرب الحاضرة هي الحرب العالمية الثانية من ١٩٣٩ - ١٩٤٦ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>