للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن العبرة والعظة لا تنحصر في الفرد ولا في الجماعة على الاعتبار بحال غيرهما وعاقبته، بل تكون كذلك في الفرد وفي الجماعة بها بما يقع لهما من الحوادث، فالفرد الذي يحرص على الاستفادة من تجاربه ونتائج أعماله يزيد صوابه دائمًا فتزيد سعادته، ويقل خطؤه فيزول شقاؤه، وكذلك الأمة والفرد الذي لا يعتبر ولا يستفيد من تجاربه ونتائج أعماله يظل على خطئه وضلاله فلا يلقى إلا الخسارة والوبال، وإلى هذا يشير حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". (رواه أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه). ولا يُعرض عن الانتفاع بالآيات والنذر إلا الجاحدون الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم والله تبارك وتعالى يقول: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١].

ولو أن المسلمين راجعوا تاريخهم وتاريخ الأمم السابقة والمعاصرة وأنعموا في ذلك النظر لخلصوا بكير من العبر ولاستطاعوا أن يجدوا في صفحات هذا التاريخ دروسًا وافية تدفعهم إلى العمل وتجنبهم الأخطاء والزلل ولو ذهب الباحث يستقصي ذلك لأعجزه حصره، ولقد علم الناس لو يتعلمون.

ولا نريد أن نفيض في ذكر حوادث التاريخ وعبره فذلك ما لا يُستطاع، ولكنا نلفت أنظار المسلمين إلى عبرتين واضحتين في التاريخ الحديث: واحدة تتصل بتاريخهم وحياتهم، والثانية تتصل بتاريخ غيرهم وحياته.

* قامت الحرب العالمية الماضية سنة ١٩١٤ - ١٩١٨ وللمسلمين حكومة جامعة، ودولة واسعة، ووحدة قائمة، وإن كان قد دب في ذلك كله الضعف والوهن، ولكنهم زادوا هذا الضعف ضعفًا بتفرقهم وتباغضهم وتحاقدهم ونسيانهم الأخوة الإِسلامية ورابطة الدين والعقيدة التي هي أقدس الروابط وأوثق الوشائج والصلات، ودب فيهم دبيب الفكرة العنصرية، فالأتراك يحاولون تتريك عناصر الدولة وإظهار الشعائر الطورانية، والعرب يحلمون بالاستقلال على أساس من

<<  <  ج: ص:  >  >>