ووجه العبرة فيما تقدم أن يَتنبَّه الإنسان لقوة هذه الناحية في نفسه وفي ناموس الخليقة، وأن يراقب نفسه مراقبة دقيقة، وأن يَخضد فيها دائمًا شوكة الكبرياء الكاذب والتأبِّي على الحق، وأن يلح على الله في الدعاء أن يجعله من أهل الهداية والتوفيق الذين لا يجد الشيطان إلى نفوسهم سبيلا.
{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} خلت: مضت وذهبت، والمثلات جمع مَثُلَة قال الراغب: والمَثُلَة نقمةٌ تنزل بالإنسان فيُجعل مثالًا يرتدع به غيرُه وذلك كالنَّكال وجمعه مُثُلات ومَثُلات، وقد أمثلَ السلطانُ فلانًا إذا نكَّلَ به. وقال ابن جرير يقول تعالى ذكره:(ويستعجلونك يا محمد مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية فيقولون {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)} [الأنفال: ٣٢] وهم يعلمون ما حل بمن خلا قبلهم من الأمم التي عَصَت ربها وكَذَّبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه، فمن بين أُمة مُسخت قرَدَة وأخرى خنازير، ومن بين أُمة أُهلكت بالرجفة وأخرى بالخسف، وذلك هو المَثلات التي قال الله جل ثناؤه:{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} والمَثلات: العقوبات المنكِّلات، والواحدة منها مَثُلَة بفتح الميم وضم الثاء ثم تجمع مَثُلات كما واحدةُ الصدقات صدقة ثم تجمع صدقات، وذُكر أن تميما من بين العرب تضم الميم والثاء جميعًا من المُثُلات، فالواحدة على لغتهم منها مثلة ثم تجمع مثل غرفة وغرفات، والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وتسكين الثاء، فإذا أردت أنك أقصصته من غيره قلت أمثلته من صاحبه أمثلة مثلا وذلك إذا أقصصته منه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل). أهـ.
وفي الآية تبكيت لهم على هذه الغفلة التي تجعلهم يتناسون الاتعاظ بغيرهم وتجاهلِ ما حل بسواهم من السابقين، وفي المثل:(السعيد من وُعظَ بغيره والشقي من وُعظ بنفسه). وبهذا تقرر الآية الكريمة ناموس العبرة والعظة وتلفت إليه الأمم والشعوب.