للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلمه ويقظته وغُدُوه ورَواحه لأنها مَلَكتْ عليه نفسَه واستولت عليه. والناسُ في الإيمان متفاوتون مختلفون، درجات بعضُها فوق بعض، فأنت مُصَدِّقٌ بشيء وسمعت عنه فإذا قرأت عنه بعد ذلك زاد إيمانك به وتصديقك فيه، فإذا رأيت صورته ثبت هذا الإيمان في قلبك، فإذا رأيته رأي العين وفتَّشَت فيه وعرفت ظاهره وخافيه انتهيت إلى درجة من الإيمان لا تقبل شَكًّا ولا يتطرق إليها وَهَنٌ، كذلك إيمان المؤمن بالله تبارك وتعالى تتفاوت درجاته وتتباين منازله.

فمن الناس من يدَّعون الإيمان وهم في هذه الدعوى كاذبون كالذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)} [البقرة: ٩].

ومنه من يؤمن في الرخاء حتى إذا عَضَّته الشدة بأنيابها انقلب على عقبه وكفر بنعمة ربه كالذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} [الحج: ١١].

ومنهم من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَه فهو يُظهر كلمة الإيمان وقلبُه منها خواء كأولئك الأعراب الذين عرضت لهم الآية الكريمة.

ومن المؤمنين قوم اطمأنت بالإيمان قلوبهم، وأخبتت له أرواحهم، فهم به سعداء وعليه حريصون أولئك الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)} [الأنعام: ٨٢].

وإذا وصل الإيمان إلى مثل هذه الدرجة السامية واحتل من القلب مكانًا رفيعًا أنتج أروع الآثار ولم يكن عاطفة خامدة بل يثور في النفس ثائرةً، فتبدو على الجوارح آثاره أوضح من الصبح وأضوأ من النور وأجلى من غرة النهار، وشرح ذلك يطول وإنما نُلِمُّ من ذلك بطرف ليكون تبصرةً للمؤمن، وتذكرةً للمخدوعين، وحسرةً على المجرمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>