للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكرير للتقرير، والمكرر في هذا المقام أحلى وحكمة الله أجل وأعلى" (١).

د - وبعد أن فسَّر أوائل سورة الرعد قال الشيخ رحمه الله: (ومن دقائق البلاغة في الآيات الكريمة الإشارة إلى مراتب الاعتقاد في تدرج وتلطف: فإن النظر في عوالم السماوات والعرش والشمس والقمر كما هو في الآية الثانية من السورة يؤدي إلى اطمئنان القلب وحسن اليقين، ولذلك ختمها بقوله: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} ... والتأمل في عوالم الأرض ومدها، وما فيها من جبال وأنهار وصلتها بغيرها من العوالم، تلك الصلة التي تظهر في تعاقب الليل والنهار يؤدي إلى يقظة الفكر وجودة النظر، ولذلك ختمها بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} ... والبحثُ في عوالم النبات وعجائب حياته بعد حياة القلب باليقين، وصحة الفكر يؤدي إلى كمال العقل وتمام المعرفة، ولذلك كان ختامُ الآيات: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، فاليقين شعور يلتئم مع الفكرة فينتج العقل الكامل: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: ١٢٢] (٢).

هـ - وعند قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)} [الرعد: ٧] ذكر الشيخ الآيات المشابهة لهذه الآية في المعنى والموضوع، ثم قال: "وإنما آثر وصف الإنذار للرسل في هذه الآيات الكريمة، مع أنهم - صلوات الله عليهم - مبشرون ومنذرون كما جاء في سورة النساء: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء: ١٦٥]؛ لأن هذا الوصف هو الأليق والأخلق بهذه النفوس العنيدة، والرؤوس الصُلبة التي تأبى الإيمان إلا أن تُقْسَرَ عليه قَسْرًا، فالمقام يقتضي هذا الوصف، ولهذا أفرد بالذكر دون الوصف الثاني وهو التبشير؛ لأنه مقتضى المقام، وهذا


(١) ص ١٧٩.
(٢) مقاصد القرآن الكريم ص ٣١ - ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>