للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتبارات والحكم التي تقتضي عدم إجابتهم إلى ما سألوا:

١ - بيان أن ذلك ليس من مهمة الرسول عليهم الصلاة والسلام فهم دعاة هداية وأساتذة إرشاد يبينون للناس الحق ويدعونهم إليه، فمن اهتدى فقد فاز ومن أبى فقد خسر، وليس من مهمة الرسل ولا من وظائفهم التصرف في نواميس الكون ونظمه، فذلك لله وحده إن شاء ذلك فهو على كل شيء قدير، وإن لم يرده فلا قدرة لأحد عليه، وقد أُشير إلى هذا في الجواب عليهم في كثير من الآيات السابقة مثل قوله تعالى: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: ٢٠] , {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد؛ ٧] , {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: ٢٧] , {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت: ٥٠] {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٣٧].

وإنما آثر وصف الإنذار للرسل في هذه الآيات الكريمة مع أنهم -صلوات الله عليهم- مبشرون ومنذرون كما جاء في سورة النساء: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ... } [النساء: ١٦٥] , لأن هذا الوصف هو الأليق والأخلق بهذه النفوس العنيدة والرؤوس الصلبة التي تأبى الإيمان إلا أن تُقْسَر عليه قَسْرًا، فالمقام يقتضي هذا الوصف، ولهذا أُفرد بالذكر دون الوصف الثاني وهو التبشير لأنه مقتضى المقام، وهذا المعنى هو الغالب على النفوس البشرية أن تقاد بالقهر والتخويف أكثر مما تقاد بالحب والتبشير.

٢ - بيان أن حكمة الله تعالى قد اقتضت أن الأمة التي تقترح الآيات ثم تكذب بها لا بد أن تُعَذَّبَ عذابَ استئصال ويأخذها الله تعالى أخذ عزيز مقتدر. فثمود حين كذبت صالحًا أخذتها الصيحة والرجفة، وفرعون حين كذب موسى أخذه الله هو وجنوده فنبذهم جميعًا في اليم وهكذا .. ولما كانت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - نبوة خالدة أبد الدهر، وكانت أمته هي الوارثة إلى يوم القيامة، وقد علم الله من عناد هؤلاء الكفار وصلابة رؤوسهم أنهم لن يؤمنوا حتى ولو جاءتهم هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>