الآيات كما قال تبارك وتعالى في سورة الأنعام: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)} [الأنعام: ١٠٩] وكما قال تبارك وتعالى في هذه السورة نفسها: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الأنعام: ٢٨] لما علم الله منهم ذلك لم يجبهم إلى ما طلبوا، إذ لو أجابهم فكذبوا كما فعلت الأمم السابقة لاستأصلهم وأبادهم وذلك مخالف لمقتضى بقائهم ووراثتهم، وإلى هذا أشارت الآية الكريمة: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)} [الإسراء: ٥٩] , وقد صرحت به سورة الحجر في قوله تبارك وتعالى: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (٨)} [الحجر: ٨]. وقد يقال إن هذه القاعدة قاعدة الاستئصال لا تطبق على الأمة المحمدية فقد أمَّنها الله برسوله وبالاستغفار، فقال تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} [الأنفال: ٣٣] وهو قول محتمل.
٣ - بيان أن أفضلَ الإيمان ما كان عن طواعيه واختيار لا عن إلجاء واضطرار، وما كان عن نظر سليم وفكر ثاقب حكيم وتدبر لآيات الله وتقديمس لقدرته وعظمته في مخلوقاته والمتجلية في إبقاء آيات كتابه الكريم. فالمعجزة الكبرى والآية الخالدة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم وفيه الكفاية كل الكفاية من تدبير وتذكر، وقد ورد ذلك صريحًا في سورة العنكبوت في قوله تعالى جوابًا لهم على اقتراح الآيات: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} [العنكبوت: ٥١] وقد روى الشيخان والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "ما من نبي من الأنبياء إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".
وقد سبق في هذا التفسير في سورة العنكبوت عند قوله تعالى: {وَقَالوا لَوْلَا