هذه الأنواع الأربعة مع الإيفاء بعقد آخر منها، وجب على المؤمن أن يوفي بعقده مع ربه، ولا يجب عليه أن يوفي بعقده مع نفسه أو مع غيره إذا كان إيفاؤه. بعقد منهما يخل بإيفائه بعقد ربه. فإذا حلف على ما فيه مخالفة أمر ربه فليحنث في يمينه، وليوف عقده مع ربه ولا يوف بما حلف عليه، ولهذا ورد في الحديث (من حلف على شيء ورأى غيره خيرًا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). وإذا عقد عقدًا أو شرط شرطًا يقضي بتحليل محرم أو تحريم حلال أو التزام بباطل شرعًا فعليه أن يوفي بعقده مع ربه ولا يوفي بما يخالفه من عقود وشروط. ولهذا ورد في الحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا".
وقد خاطب الله المخاطبين في أمرهم بالإيفاء بالعقود بوصف الإيمان، يشير إلى أن الإيفاء بالعهود مما يقتضيه الإيمان. وفي هذا حدث على امتثال الأمر والإيفاء بالعقد.
وهذا الذي أشار إليه القرآن، صرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته إذ عد الوفاء بالعهود من شعائر الإيمان وآيات المؤمن، ففي الحديث (آية المؤمن ثلاث، إذا حدث صدق، وإذا أؤتمن أدى، وإذا وعد وفى) وكما ذكرهم بإيمانهم في بدء هذه السورة إذ أمرهم بالإيفاء بالعقود جملة، ذكرهم بإيمانهم في أمرهم بكل عقد فصله فيها.
ففي تفصيل ما حرمه قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ ... } وفي تفصيل التطهير لأداء الصلاة وهي عماد الدين قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}[المائدة: ٦] وفي تفصيل عماد الدنيا وهو الشهادة بالقسط في إقامة حقوق الله قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}. فالمقصود بهذا إشعار المؤمنين بأن إيفائهم بالعقود جملة وتفصيلًا هو من مقتضى الإيمان، وأن نكت العهود والإخلال بما تقتضيه العقود لا يتفق والإيمان. فالمؤمن حقًّا يوفي بالتزاماته لربه ولنفسه ولغيره.