كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وأبو زيد وفي رواية أبو الدرداء بدل أبيّ بن كعب.
وقد تصدى العلماء قديمًا للإجابة عما أثاره الملاحدة حول هذا الحديث، فهذا الحافظ ابن حجر (١) رحمه الله في فتح الباري يذكر وجوهًا كثيرة يعزو بعضها للمازري وبعضها للباقلاني وبعضها لم يعزه لأحد، وكأنما هو استنتاجه وتفسيره وقبل أن أذكر هذه الوجوه أحب أن أشير إلى قضية مهمة حبذا أن يتنبه القارئ إليها، وهي أن فهمنا للحديث حري أن يكون على نسق فهمنا لكتاب الله من حيث معرفة أسباب النزول والمناسبات فإن معرفة السبب تعيننا كثيرًا على فهم الآية الكريمة وكذلك الأحاديث الشريفة، وأظننا إن أدركنا سبب هذا الحديث بان لنا الأمر، ووضح المَعْلَم. فقد أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة قال: افتخر أعيان الأوس والخزرج فقال الأوس: منا أربعة: من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدُّبُر عاصم بن ثابت فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم. هذا إذًا سبب ورود الحديث، والحديث كما نعلم موقوف على أنس -رضي الله عنه- وقد جاء كما رأينا في مجال التنافس في الأعمال الخيرة والتسابق في خدمة الدين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، اللهم ارحم الأنصار.
فلا مانع إذًا من أن يكون قد جمعه غيرهم من المهاجرين ومن غير المهاجرين وبعد أن يذكر الحافظ رحمه الله أجوبة متعددة لا يرضيه بعضها ينقل عن المازري أن هذا ما علمه أنس ولا يلزم منه أن يكون الواقع كذلك لأن الصحابة قد تفرقوا في البلاد، ولكي يكون الحصر حقيقيًّا لا بد أن يكون أنس رضي الله عنه قد لقي كل واحد من الصحابة كُلًّا على حدة وأخبره عن نفسه وهذا غاية في البعد، وبعد ذلك