للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجد الحافظ يذكر كثيرًا ممن حفظوا القرآن وجمعوه في عهد الرسول عليه وآله الصلاة السلام. ثم ينقل ما قاله القرطبي وهو أن عدة مئات من الصحابة من حملة القرآن وحفظته قد استشهدوا يوم اليمامة.

بعد ذلك كله يقول الحافظ: (وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنَّا لا نسلم حمله على ظاهره، سلّمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك؟ سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجمّ الغفير، وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكلُّ الكلَّ ولو على التوزيع كفى) (١).

أفبعد ذلك كله يمكننا أن نوافق الدكتور عبد المنعم فيما ذهب إليه! ! أم يمكنه هو أن يثبت على قوله هذا! ! ، أما نحن فلا، وأما هو فنسأل الله أن يرحمه ويعفو عنه.

وأما الجزئية الثانية فهي ادعاء الأستاذ أن الفهم مرتب على الحفظ، وما دام الصحابة لم يحفظوا القرآن فهم لم يفهموه كذلك، وعكس هذه القضية من البدهيات، فالقواعد التربوية وغيرها لا ترتب الفهم على الحفظ بل إن كانت صلة بينهما فالعكس هو الصحيح ولا يمتري أحد في أن الفهم مما يسهل الحفظ وييسره لمن أراده، ونحن نلمس من أنفسنا أننا ربما تعرض علينا نصوص لنبين معناها فلا نجد عسرًا في ذلك مع أننا لا نحفظ هذه النصوص، إن باستطاعتنا -وهذا دأب علماء النقد- أن نفسر كثيرًا من الأشياء شعرًا ونثرًا وننقدها دون أن نحفظها.

وأنقل هنا كلمة للحارث المحاسبي رحمه الله في كتابه العظيم الرائع (الرعاية لحقوق الله): (حدثنا الغلابي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أول العلم حسن الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر) (٢). وإذا كان الصحابة


(١) نفس المرجع السابق ص ٤٢٨ والفتح الرباني للساعاتي ص ٢٢، جـ ١٨، الطبعة الأولى ١٣٧٣ هـ، مصر - تفسير القرطبي جـ ١، رحم الله الحافظ فما نظن أن هناك داعيًا لهذه التنازلات.
(٢) ص ٣٤ - تحقيق عبد القادر عطا- الطبعة الثالثة ١٩٧٠ - دار الكتب الحديثة/ مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>