للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضوان الله عليهم- وهم الذين قبسوا من مشكاة النبوة وأكرموا ببركة الوحي لا يفهمون كتاب الله تبارك وتعالى -وفاقد الشيء لا يعطيه- وهم الذين تصدوا له إقراء وشرحًا فأي جيل إذًا تتوافر له إمكانات الفهم؟ قال الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات في معرض الحديث عن علم الصحابة بعلم أسباب النزول وما يتصل به: (ذكر أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي، قال: خلا عمر ذات يوم: فجعل يحدث نفسه كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنَّا أُنزل القرآن علينا فقرأناه وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن، ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا واقتتلوا، قال فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال فعرفه فأرسل إليه فقال: أعد عليَّ ما قلت فأعاده عليه فعرف عمر قوله وأعجبه) (١).

وخلاصة القول أن الله تبارك وتعالى أنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذِكرَ ليبين للناس ما نُزّل إليهم فكان أول من وعى هذا البيان وحفظه وعض عليه بالنواجذ الصحابة البررة فكانوا أعلم الناس -بعد نبيهم ومعلمهم- بالله وبالحلال والحرام وبالكتاب الكريم مجمله ومبينه، مطلقه ومقيده، ناسخه ومنسبوخه، مكيه ومدنيه، محكمه ومتشابهه.

وأما الجزئية الثالثة وهي أنهم رضوان الله عليهم لم يكونوا ليسألوا عما لم يفهموه، وبرهان ذلك عنده أننا لم نجد حديثًا واحدًا سألوا فيه عن المتشابه. والمانع لهم من السؤال الآيتان السابقتان فذلك ما نجل الصحابة عنه وفي القرآن الكريم جملة ليست قليلة من أسئلتهم صدرت بهذا العنوان (يسألونك) ولا سيما السور المدنية حتى إنّ القرآن الكريم سجل لنا سؤالهم عن الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦].


(١) الموافقات (٢/ ٢٤٨)، فضائل القرآن لأبي عبيد ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>