للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان النبي عليه وآله الصلاة والسلام يشدد النكير على الذين لا يسألون، والمطلع على السنة المطهرة يجد ذلك واقعًا عمليًا في موقف الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام من جهة. ومن جهة ثانية سؤال بعضهم بعضًا حتى إنّ جبريل عليه السلام جاء يسأله عليه وآله السلام فيما أخرجه الإمام مسلم وأخبرهم النبي أنه جبريل جاء يعلمهم دينهم (١). أما الآيتان اللتان يدّعي أنهما مانعتان من السؤال وهما آية المائدة وهي من آخر القرآن نزولًا فإنها وردت في سبب خاص وأما آية آل عمران: فلقد نصت على أن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله والصحابة مبرأون من هذا الوصف، ثم إذا كانت هاتان الآيتان مانعتين لهم عن السؤال، فمما لا ريب فيه أنهم كانوا يسألون قبل نزولهما -وكان لا بد أن تدون تلك السؤالات وتسجل. ولا يعقل أن تكون قد حذفت وتلاشت بعد نزول الآيتين الكريمتين.

المقبول والمعقول أنهم لم يسألوا عن المتشابه؛ لأن ذلك كان لا يعنيهم كثيرًا، لا لعدم اهتمامهم به أو لعدم فهمهم، وإنما لأنهم كانوا يفهمون المراد منه من غير ما تكلف ولا تعقيد فهم أصحاب الذوق العربي من جهة، والعقيدة الصافية التي تلقوها مباشرة ومشافهة من النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- من جهة أخرى.

أما الجزئية الرابعة والأخيرة وهي أنهم كانوا يشددون النكير على من كان يسأل عن شيء من كتاب الله فإن لنا في ردها طريقتين اثنتين النقض والمعارضة (٢).

أما النقض: فالحديث الذي أورده فضيلة الدكتور وهو ما كان من عمر -رضي الله عنه- مع أصبغ التميمي مردود، رده العلماء من حيث السند، فقد أخرجه


(١) أخرجه مسلم برقم ٨.
(٢) هذا الاصطلاح في علم أدب البحث والمناظرة وهو من العلوم التي درست أو كادت، فهم يرون أن رد أي دعوى يكون لإحدى طرق النقض الإجمالي أو النقض التفصيلي أو المعارضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>