للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هما صفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفًا لله تعالى، ففسرها بعض العلماء بإرادة الإحسان، وفسرها آخرون بالإحسان نفسه، والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته تعالى لا نعرف حقيقتهما، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.

وليست الصفتان، أعني الرحمن الرحيم بمعنى واحد بل روعي في كل منهما معنى، ولم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فَعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ولا يلزم منه الدوام كغضبان وسكران، والرحيم بمعنى دائم الرحمة؛ لأن صيغة فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف، فكأنه قيل العظيم الرحمة الدائمها. وذهب ابن قيم الجوزية في الفرق بين الصفتين إلى أن الرحمن دالة على الصفة القائمة به تعالى، والرحيم دالٌّ على تعلقها بالمرحوم، فيكون الرحمن من صفات الذات، والرحيم من صفات الأفعال" (١).

ويقول في صفة الغضب: "والغضب ضد الرضا، وهو في أصل اللغة حركة في النفس تنزع بها إلى طلب الانتقام، وإذا أسند إلى الله فسروه بمعنى إرادة الانتقام أو بمعنى الانتقام نفسه، والموافق لمذهب السلف أن يقال: هو صفة له تعالى لائقة بجلاله، لا نعلم حقيقتها وإنما نعرف أثرها وهو الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم) (٢).

ويقول في صفة الاستواء: "استوى أقبل وعمد إليها بإرادته، وتسويتها تعديل خلقها وتقويمه" (٣).


(١) أسرار التنزيل ص ٧، ٨.
(٢) ص ١١.
(٣) ص ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>