عند تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)} [إبراهيم: ١٩ - ٢٠]، قال:"ذكر الشيخ أحمد زروق في كتابه "قواعد التصوف" أن مما يذهب بالشك أن يكرر الإنسان هذه الآية، وكنت أتساءل عن دليل هذا القول حتى اشتغلت بتفسير سورة إبراهيم، فلاحظت أن مجيء هاتين الآيتين آتٍ في سياق دعوة الرسل، وشك أقوامهم فيما يدعونهم إليه، ومن ثم فالآيتان دواء للشك، ودواء من الوسوسة، ثم هما آيتان في الوسط بين مشهدين من مشاهد يوم القيامة، يصفان مآل الكافرين الشاكين المستجيبين للشيطان"(١).
وهذا القول اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، فلا دليل عليه من الأدلة المعتبرة، وإنما هو مجرد قول لا يستند إلى دليل.
ولم يقع الشيخ في شطحات الصوفية خلال تفسيره، فلم يفسر الآيات بالتفسير الإشاري مثلًا، وإنما كان تفسيره مما يحتمله ظاهر النص، فظهر أن تصوفه معتدل مقبول.
ومن الأمور كذلك التي كان لها أثر في فكر الشيخ اطلاعه على الثقافات المختلفة، وقراءته الواسعة، وقد أفاد من هذا أنه كان يورد شبهًا تدور في الفكر العالمي، ثم يردها، ومن أمثلة ذلك ما قاله عند تفسيره لفاتحة سورة يونس:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ}[يونس: ٢]، إلى آخر الآية، قال: "رأينا أن السورة بعد مقدمتها عرضت لشبهة وردّتها، ولنتساءل الآن عن مظنة وجود هذه الشبهة في الفكر العالمي؟ نقول - الكلام للشيخ سعيد -: إن من درس تاريخ الفلسفة يجد أن هذه الشبهة تكاد تكون أحد أركان الفكر الفلسفي في العالم، فمنذ أرسطو - بل من قبله حتى الآن - تجد الفكر الفلسفي - بما في ذلك الفكر الذي يثبت وجود الله -