[الإسراء: ٤٥]. لا يصلح دليلًا لأن كل آية من كتاب الله جاءت مقدّرًا فيها المعنى المراد بكل دقة وموضوعية، فخلو آية الإسراء من حرف (من) لا يسمح لنا أن نقيس آية (فصلت) على آية (الإسراء) وإليكم بيان هذا:
وقبل أن تستمعوا مني أرجو أن نتدبر الآيتين مرة أخرى. ففي آية الإسراء الله تبارك وتعالى هو الذي جعل بين رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا، وذكر بعد هذا قوله:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}[الإسراء: ٤٦] أما آية فصلت فإن القوم لشدة جحودهم وفظاعة كفرهم وإنكارهم، هم الذين اعترفوا بأن هذه الأمور التي تحول بينهم وبين الإيمان هي منهم، وهم مجبولون عليها، ولذلك قدمت الأكنة والوقر على الحجاب، ثم إن هذا الحجاب الذي قالوا فيه:{مِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} يريدون منه أنه يستحيل اللقاء بيننا وبينك، والقرآن الكريم الذي قدّر الله فيه الألفاظ والمعاني كما قدّر أمر هذا الكون سماءه وأرضه شمسه وقمره، جاءت فيه كلمة (من) على لسان أولئك الجاحدين المعاندين، ولا يمكن أن يكون هذا الحرف في آية الإسراء، لأن الله تبارك وتعالى إنما بعث نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليؤمن به الناس، وصدق الله {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: ٧].
وخلاصة القول: أن (من) في آية (فصلت) تكشفُ عن الروعة البيانية ومظهر الإعجاز في كتاب الله تعالى الخالد، حيث جاءت كلمة (من) على لسان أولئك الخصوم، أما ما كان حديثًا من الله تعالى في آية الإسراء فلم تذكر فيه كلمة (من) فتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا.
-لقد أكد الشيخ -رحمه الله- في أكثر من موضع قضية الحروف الزوائد في كتاب الله فمثلًا عند قوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}[مريم: ٢٥]. يقول:"الباء مزيدة للتوكيد، ويستدل على صحة الزيادة من الآيات ومن الشعر"(١). والأمر ليس