للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس: ٩]، وذلك للإشعار بأن الجهة المتوسطة بينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مبدأ الحجاب لا غير، ووجود (من) قريب من عدمها" (١).

يعلق د. عبدالفتاح لاشين على كلام ابن المنير فيقول: "الزمخشري قال بأن الحرف (من) في الآية يفيد بأن المسافة المتوسطة بين الجهتين حجاب، فالحجاب مبدؤه من الكفار كما كان مبدؤه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك مبالغة في تكثيف الحجاب الذي يمنع السماع ويحجب الهداية، لكن ابن المنير وجد في كلام الزمخشري مخالفة لغوية، ولما كان أي حرف في القرآن الكريم لا بد أن يكون لمعنى، جعل ابن المنير حرف (من) في الآية يدل على أن الجهة المتوسطة بينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مبدأ الحجاب ثم يتردد في هذا المعنى ويقول: وجود (من) قريب من عدمها، وابن المنير في هذا خطأ الزمخشري دون أن يجد لحرف (من) معنى في الآية إلا زيادتها، ونحن نستبعد أن يوجد هذا الحرف بدون معنى وننزه القرآن عنه، ووقوف العلماء عن إيجاد معنى لحرف (من) هو من إعجاز القرآن الكريم وسر بلاغته، فالذهن قد قصُر، والعقل نضُب دون الوصول إلى سر هذا، ونحن وهذا الحرف كقول القائل:

نعيبُ زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيبٌ سوانا" (٢)

وبعد هذا التطواف على ما ذكره هؤلاء العلماء أقدمين ومحدثين ومع أنني لست ممن يحسنون الدلاء، لكن العون من الله وحده، أقول ومن الله وحده التوفيق: إني لا أرتاب في أن ما قاله الزمخشري -رحمه الله- كلام لا يسقط عليه إلا خبير، ذلكم أن أي حرف ذُكر في كتاب الله لا بد له من سر كما يقول د. لاشين، وما استدل به ابن المنير من أن هناك آية في كتاب الله ليس فيها (من) وهي قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)}


(١) انظر: حاشية ابن المنير على الكشاف، ٤/ ١٤٥.
(٢) انظر: د. عبد الفتاح لاشين، بلاغة القرآن في تعقبات ابن المنير على الزمخشري، ص ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>